إحياء علوم العلم
تاريخ العلم يعمل في العالم العربي والإسلامي، وعمله إحياء علوم العلم. هذه رسالة «المؤتمر الدولي الثاني لتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين» و«المؤتمر الحادي عشر لاتحاد علوم الفلك والفضاء» اللذان أثارا بانعقادهما المشترك الأسبوع الماضي في «جامعة الشارقة» بالإمارات العربية المتحدة عصفاً ذهنياً عبر العلوم والعصور والحضارات، ولم يفعلا ذلك بالبحوث فحسب، بل بالأحداث العلمية أيضاً، وأهمها افتتاح «مركز الشارقة الفضائي»، الذي يضم أكبر قبة سماوية في العالم العربي والإسلامي. وفيما يراوح ما تراه معظم التلسكوبات القائمة بين ألفي نجم وثلاثين ألف نجم، يعرض تلسكوب القبة 22 مليون نجم. أعلن ذلك عالم فيزياء الفضاء والفلك حميد مجبل النعيمي، المعروف ببناء مرصدي «البتاني» بالعراق و«مراغه» بالأردن، ويرأس حالياً «مؤتمر الشارقة» و«الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك» و«جامعة الشارقة».
«آه!».. صرخة إعجاب أطلقها رائد الفضاء الأميركي جيفري هوفمان عندما أضيئت نجوم القبة. سماء كثيفة الظلمة تُطرزها ملايين النجوم، وغالباً ما يكون ذرف الدموع رد فعل المشاهدين، إذ يرون السماء التي تحجبها أضواء المدن حول العالم. وهوفمان، شارك في خمس رحلات فضائية، استغرقت أكثر من 1211 ساعة، قطع خلالها أكثر من 34 مليون كيلومتر في الفضاء، ومحاضرته في افتتاح المؤتمر، ملحمة مثيرة عن تحليقه خارج المركبة الفضائية لإصلاح التلسكوب الفضائي «هابل».
وتعرض «قبة الشارقة»، لأول مرة في تاريخ القباب، مجرتنا «درب التبانة» التي تضم مليارات النجوم، وفي موقع قصي منها كوكبنا الأرضي، يدور بسرعة 30 كلم في الثانية حول الشمس، التي تدور مع منظومة كواكبها بسرعة 250 كلم في الثانية حول مجرة «درب التبانة»، التي تدور بمليارات نجومها بسرعة 300 كلم في الثانية حول جاراتها المجرات والسُدُم. وكيف لا نذرف الدموع عندما نرى في «قبة الشارقة» هذه «الرقصة الكونية» التي تتمدد بسرعة مليون فرسخ نجمي كل ثانية!
وكما قال الرسول، عليه الصلاة والسلام: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب». فالشارقة عاصمة الثقافة العربية لعام 2014، وحاكمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، دكتور في التاريخ من جامعة أكستر ببريطانيا، وقد أسّس خلال نحو عشرين عاماً جامعتي الشارقة للبنين والبنات، و«الجامعة الأميركية في الشارقة»، وجامعة «سكايلاين الشارقة»، و«أكاديمية البوليس»، و«المستشفى الجامعي»، و«مستشفى طب الإسنان الجامعي».
وإحياء علوم العرب والمسلمين يضطرم بنار الأمة، لكنها برد وسلام؛ ذلك لأن دليلها العقل الذي قال عنه الرسول: «العقل نور يفرق بين الحق والباطل». وكما في العصر الذهبي لعلوم العرب والمسلمين، تتناول محاور المؤتمرين، إلى جانب علوم الفضاء والفلك، الجغرافيا وعلوم البحار، والطب والعلوم التطبيقية والهندسية، واللغة العربية والدراسات الإسلامية، والفنون الجميلة، والعلوم الأدبية والتربوية، والتعايش بين الحضارات، والتاريخ. وعدد البحوث 325، وعدد المشاركين 400، من 41 دولة.
ومن يتصور أن تأتي من العراق المنكوب نسرين الصفار (27 سنة)، وفاجأت الباحثين بأطروحتها للماجستير في جامعة بغداد، وعنوانها «إخفاء إشارة راديوية في صور فلكية باستخدام التحويل الموجي». وأطروحة نسرين، التي أشرفت عليها بشرى العبودي، أستاذة المعالجة الرقمية في كلية العلوم بجامعة بغداد، تستخدم إشارات راديوية منبعثة من كوكب المشتري، لأغراض تحقيق الأمن المعلوماتي، وعندما عُرض عليها العمل، وإكمال الدكتواره في الخارج، سأَلَت «كيف أترك أهلي في بغداد»؟
والإيرانية «سونا حسيني» تطور في مرصد «ليك» على جبل «مونت هاملتون» بجنوب كاليفورنيا أداة فلكية اسمها «الخيّام». وكالعالم الفيلسوف عمر الخيام، الذي قال «يسموني الخيام لأني أرتق خيمة العلم»، ترتق «سونا» أداتها ما بين إيران وأميركا. فبعد دراستها بجامعتي «زنجان» و«أصفهان»، بحثت عاماً في أميركا عن جامعة تقبل أن تكون أطروحتها للدكتوراه تطوير أداة «الخيام». «جامعة ديفز» بكاليفورنيا التي قبلتها، تستخدمها الآن للتهديد بأن خفض موازنة الجامعة يعني فقدان «سونا حسيني» وفقدان فرصة المشاركة في بناء «كيك» بهاواي، وهو أكبر مرصد في العالم طوله 30 متراً، يجعلنا نرى أقدم لحظات نشوء الكون!
المصدر: