بحث البكالوريوس: لفظة كسب في القرآن الكريم: دراسة لغوية دلالية
لطالما استوقفتني الكلمات في النصّ القرآني، لا لما تحمله من دلالاتٍ لغوية فحسب، بل لما تبعثه في النفس من قلق السؤال، ومن رنينٍ داخليّ لا يهدأ. ووسط هذا التأمّل، وجدتُ نفسي مرارًا أقف أمام لفظةٍ واحدة تعيد طرح السؤال الأبديّ حول الإنسان ومسؤوليته: "كسب".اخترتُ هذه الكلمة لا لأن معناها غريب أو معقّد، بل لأنها شديدة القرب، مألوفة في اللفظ، لكنها غائرة في المعنى؛ تُحاكي نبض الإنسان ونيّته، وتضعه في مواجهةٍ صريحة مع فعله، واختياره، ونتائجه."كسب" في القرآن ليست مجرد فعلٍ يدلّ على الحصول، بل هي بوّابة كاشفة عن طبيعة العلاقة بين العبد وربّه، وعن الوزن الأخلاقي لأعمال الإنسان في الدنيا والآخرة.في هذا البحث، سعيتُ إلى تحليل هذه الكلمة من زوايا متعددة: بدأتُ من جذرها اللغوي، فاستنطقتُ اشتقاقاتها، وتتبعتُ حضورها في المعاجم العربية. ثم تعمّقتُ في مفاهيم الحرية والمسؤولية كما يصوّرها القرآن، واستعرضتُ كيف تناولها علماء الكلام وأهل العقيدة، وكيف فُهِمت في ضوء الإرادة والاختيار والتكليف.بعد ذلك، دخلتُ إلى عمق النصّ القرآني، لأتتبّع كيف وظّف الله عزّ وجلّ هذه اللفظة في آياته: في سياق الرحمة تارة، وفي سياق العقوبة تارة أخرى؛ لأكتشف أن "كسب" في القرآن تُقدَّم باعتبارها فعلًا محمّلًا بالنيّة، مسؤولًا أمام العدالة الإلهية، وأنها اللفظة التي تصنع الفارق بين إنسانٍ يسعى للخير ويدرك أثره، وبين آخر يتجاهل صدى فعله في ميزان السماء.اعتمدتُ في دراستي هذه على المنهج التحليلي والبياني، مستنيرةً بكتب التفسير الكبرى، ومعاجم اللغة الأصيلة. وكانت محاولةً مني أن أكتب لا بعين الباحثة فقط، بل بقلب المتأمّلة التي ترى في كل كلمة قرآنية نداءً خاصًا لها، ورسالةً لا تمرّ عبثًا.ينقسم هذا البحث إلى فصلين:• الفصل الأول: البنية اللغوية للفظة "كسب".• الفصل الثاني: الدلالات السياقية للفظة "كسب" في القرآن الكريم.وقد توصّلتُ من خلال هذا العمل إلى أن لفظة "كسب" تُمثّل أحد مفاتيح الفهم العميق للقرآن؛ إذ إنها تضعنا أمام مفهومٍ دقيق للجزاء، وتُعيد تعريف معنى الحرية والنية، وتعلّمنا أن كل ما نكسبه اليوم — مهما بدا صغيرًا — فهو يُصاغ غدًا في مصيرٍ أبديّ، وأن العدل الإلهي لا يغفل عن شيء، وأن من رحمة الله أن جعل ما نكسبه بأيدينا، لا مفروضًا علينا.