أصابت تداعيات جائحة كورونا معظم الأنساق المجتمعية وأحدثت اختلالات في مختلف القطاعات الحيوية، كالقطاع الصحيّ، والتربوي، والتقنيّ، والعمل، التنمية المستدامة وغير ذلك من القطاعات. وفي الوقت ذاته انعكست تأثيرات الجائحة على الخبرات والتجارب الحياتية للأسرة التي تمثل ركيزة أساسية ونقطة تقاطع مشترك بين مختلف الأنساق المجتمعية. إن تحول المنزل إلى مكان للعمل، وفقدان العديد من العاملين عملَهم، والاقتطاعات الهائلة من رواتب العاملين من شأنه أن يعيد ترتيب الأدوار الأسرية، وميزانية الأسرة، كما يتطلب مستويات مرتفعة من إدارة التوترات الناتجة عن صراعات الأدوار وأعبائها.
ولأن كل التحولات التي رافقت الجائحة كانت سريعة ومفاجئة لم يكن بوسع العديد من الأُسَر إيجاد الآليات التكيفية التي تحدّ من نتائج الجائحة على سلامة تماسكها وتكاملها ومعيشتها بوجه عام. ولذلك فقد اضطربت الأسرة نتيجة تعليم الأبناء عن بعد، وتزايدت مستويات انخفاض الدخل والقدرة الشرائية، وتراكم الديون، واتساع نطاق الخلافات الأسرية، والعنف الأسري، والطلاق. وعلاوة على ذلك فَقَدَتْ أُسَرٌ كثيرة بعض أعضائها بسبب الجائحة؛ الأمر الذي ولَّدَ الحزن وألَم الفقْد إلى جانب تلك الضغوطات والتوترات، كما فرضت الجائحة على الأسرة قيوداً فيما يتعلق بمراسيم الزواج، والاجتماعات العائلية، والجوانب الترويحية، وطقوس العبادة. إن هذا الظرف الشمولي الذي أحاط بالأسرة من كل الجوانب حرّض استنفار الدول والمؤسسات الدولية المعنية بالأسرة والعمل والمرأة والطفل من أجل الحفاظ على مستويات مرتفعة من التكامل والاستقرار الأسري، وحماية حقوق العاملين وأجورهم، وكذلك حماية المرأة والطفل من العنف الأسري، بالإضافة إلى الجهود المبذولة من أجل جعْل التعليم عن بعد امتداداً سلسا للتعليم الوجاهي.
كما انعكست تأثيرات الجائحة على الخبرات والتجارب التعليمية في جميع مراحل التعليم بدءًا من مؤسسات الطفولة المبكرة ومرورا بالمدرسة وانتهاءً بالجامعة. وشكَّل التعليم والتعلُّم عن بعد تجربة جديدة للمؤسسات الإدارية التعليمية، والمدرسين والطلبة بما رافقها من توترات نفسية، معرفية وعلمية لجميع الفاعلين في العملية التعليمية. كما كان للجائحة تأثيرات واضحة على الحياة الكريمة للفرد، والأسرة، والمجتمع والعالم بسبب فقدان أعداد كبيرة من الناس لأعمالهم وقوت يومهم. وشكلت هذه الجائحة تحديًا كبيرًا أمام الدول لمواجهة مشكلة البطالة، والنمو الاقتصادي، والسياحة ومعالجة النتائج المترتبة عليهما بهدف تحقيق استدامة برامج التنمية لتلبية حاجات الإنسان الأساسية.
وبناء على ما تقدم، يأتي هذا المؤتمر ليلقي الضوء على الخبرات المعاشة للمؤسسات الأسرية، والتعليمية والعمل والتنمية المستدامة والتحديات التي واجهتها والآليات التي اتبعتها الأسرة من أجل التغلب على تلك التحديات، وكذلك الدروس المستفادة من حيث التخطيط المستقبلي والاستراتيجيات التي تعمل على تعزيز التماسك الأسري والتعليم والتعلم عن بعد والتنمية المستدامة في مواجهة الظروف الاستثنائية والأزمات.